mardi 15 octobre 2019

الحصانة البرلمانيّة والإفلات من العقاب!


الحصانة البرلمانيّة والإفلات من العقاب!
                                               بقلم الدكتور عبد الله الاحمدي

جاء بالفصل 21 من الدستور الذي ورد في الباب الثاني تحت عنوان الحقوق والواجبات "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". ولا شكّ أنّ مبدأ مساواة الجميع يعدّ من بين حقوق الإنسان في نظر أستاذ القانون الدستوري GEORGES VEDEL وهو أوّل حقوق الانسان واساس البقية وهي مظهر من مبدأ دولة القانون وعلويّته.
غير أنه توجد بعض الحالات الخاصة التي تعرّض لها الدستور وأقرّ لها أحكاما قد تبدو لأول وهلة متعارضة مع مبدأ المساواة أمام القانون، ومن أهمها الحصانة البرلمانية المنصوص عليها بالفصلين 68 و69 من دستور جانفي 2014.
نبادر إلى القول بأنّ أغلبية الدساتير في جل بلدان العالم تقرّ هذه الحصانة الممنوحة لنواب الشعب، إلاّ أنّ نظام هذه الحصانة في دستورنا يختلف جزئيا عمّا هو عليه في العديد من الدساتير الأجنبية وخاصة في الدول العريقة في الديمقراطية.
ويتّجه النظر في مفهوم الحصانة ونظامها والمآخذ عليها.
مفهوم الحصانة البرلمانية
يعرّف فقهاء القانون الدستوري الحصانة البرلمانية بكونها حماية نواب الشعب لتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل حرية واستقلالية. ويرى الأستاذ Jean Gicquel أن الغاية منها حماية البرلماني من كل تهديد وتخويف في نطاق نيابته قد يصدر عن سلطة سياسية أو مواطنين ومن التتبعات التعسفية. ويضيف أن هذه الحصانة ناتجة عن مبدأ الفصل بين السلطات لتدعيم استقلالية النواب، وهي ليست حماية شخصية للنائب بل لحماية ما اصطلح على تسميته بالنيابة البرلمانية.
نظام الحصانة البرلمانية
بالرجوع إلى أحكام الفصلين 68 و69 المتعلقين بالحصانة البرلمانية نلاحظ أنهما أقرّا مسألتين أساسيتين، تتمثل الأولى في انتفاء المسؤولية والثانية في عدم إمكانية تتبع أو إيقاف النائب:
-       انتفاء مسؤولية النواب:
ينص الفصل 68 من الدستور على أنه "لا يمكن إجراء تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها أو أعمال يقوم بها في ارتباط بمهامه النيابيّة".
ويؤخذ من عبارات هذا الفصل أنه لا يمكن مساءلة عضو مجلس نواب الشعب سواء جزائيا أو مدنيا أو إيقافه من أجل الآراء أو الاقتراحات التي يبديها أو أيّ عمل يقوم به له علاقة بمهامه النيابية. ومعنى ذلك أن هذا النص يقرّ انتفاء المسؤولية عن النائب في هذه الحالة ولا يمكن تتبعه حتى بعد انتهاء مهامه النيابية، مما جعل فقهاء القانون الدستوري يعتبرون انتفاء المسؤولية يشكّل حماية دائمة للنائب تبقى سارية المفعول حتى بعد انتهاء المدة النيابية، إلاّ أنه لا بدّ من أن تكون الآراء أو الاقتراحات أو الاعمال التي قام بها النائب مرتبطة بمهامه النيابية، ولا تنطبق هذه الحماية إذا تبيّن أن تلك الأعمال لا علاقة لها بالمهام الموكولة اليه.
وقد نصّت جل الدساتير الأجنبية على هذه الحماية، من ذلك الفقرة الأولى من الفصل 26 من الدستور الفرنسي والفصل 46 من الدستور الألماني والفصل 162 من الدستور السويسري والمادة 112 من الدستور المصري الجديد والمادة 64 من الدستور المغربي الجديد، غير أن بعض الدساتير الأجنبية لا تقرّ انتفاء المسؤولية بصفة مطلقة في مثل هذه الحالة، من ذلك أن الفصل 61 من الدستور اليوناني ينص على تتبع النواب إذا تفوّهوا بعبارات تتضمن ثلبا أو شتما عند أخذ الكلمة داخل البرلمان. كما أن الدستور الفنلندي أقرّ إمكانية رفع الحصانة في مثل هذه الحالة إذا تجاوز النائب الحدود والأخلاق مع إمكانية تسليط عقوبات تأديبية وهذا ما حدث في البرلمان المجري عندما اتّهم أحد النواب زملاءه المنتمين إلى الحزب الحاكم بالسرقة والكذب. 
-       حماية الحرية الفردية للنواب:
نص الفصل 69 من الدستور على أنه "إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة فانه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة. أما في حالة التلبّس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه ويُعْلم رئيس المجلس حالا على ان ينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك".
ويؤخذ من أحكام هذا الفصل أنّ النائب يتمتّع بحصانة قوية تجعله في مأمن من كل تتبع أو إيقاف طيلة المدة النيابية حتى ولو ارتكب جريمة ما لم ترفع عنه الحصانة إذا اعتصم بها النائب باستثناء حالة التلبّس بالجريمة، إذ في هذه الصورة يمكن إيقافه مع إعلام رئيس مجلس النواب، وينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك. وتنطبق أحكام الفصل 69 من الدستور حتى على الأفعال الإجرامية التي يرتكبها النائب والتي لا علاقة لها بمهامه النيابية، وقد وصف أساتذة القانون الدستوري أن هذه الحماية، ويعبّر عنها اصطلاحا بعبارة l’inviolabilité ذات طابع إجرائي، إذ أن تتبّع أو إيقاف النائب أثناء المدة النيابية لا يجوز ما لم ترفع الحصانة عنه.
إن الحصانة الواردة بالفصل 69 من الدستور تقتضي إبداء بعض الملاحظات، منها أن هذا النص أعطى للنائب الحق في " الاعتصام بالحصانة الجزائية" أو التخلي عنها.
ففي الحالة الأولى يصبح في مأمن من كل تتبع أو إيقاف طوال مدته النيابية ما لم ترفع عنه الحصانة إلا في حالة التلبّس بالجريمة، ففي هذه الصورة يمكن إيقافه ويُعلم بذلك رئيس المجلس حالا، وينتهي الإيقاف إذا طلب ذلك مكتب المجلس. وبهذه الكيفية فإن الإفراج عن النائب يصبح بيد مكتب مجلس النواب وليس بيد القضاء.
ولقد جاءت عبارات الفقرة الأخيرة من الفصل 69 من الدستور مطلقة، أي أنها تنطبق مهما كانت خطورة الجريمة التي يرتكبها النائب لأن هذا الفصل تحدّث عن الجريمة بصفة عامة التي تشمل الجنح والجنايات بالخصوص، وفي تقديرنا أنه لا نجد مبرّرا مقنعا لأحكام هذا الفصل خاصة إذا كان الفعل المرتكب من قبل النائب خطيرا ولا علاقة له بالمهام النيابية، في حين أن الحصانة المنصوص عليها بالفصل 68 من الدستور، والتي تحمي النائب من كل تتبع جزائي أو مدني إذا تعلق الأمر بأفعال أو آراء أو اقتراحات لها ارتباط بمهامه النيابية وتنتفي أيّة مسؤولية عن النائب.
المآخذ على نظام الحصانة البرلمانية
في اعتقادنا أنه لا مبرّر لتمتّع النواب بالحصانة البرلمانية في صورة ارتكابهم لجرائم مهما كان نوعها، بما في ذلك القصدية والخطيرة منها والتي لا علاقة لها إطلاقا بالمهام النيابيّة، إذ ليس من المعقول أن يكون النائب فوق القانون، ومن المفروض أن يكون سلوك النواب مثاليا وعبرة لبقية المواطنين.
وبالرجوع إلى العديد من الدساتير الأجنبية نلاحظ أنه وقع التخلي جزئيا عن هذا النمط من الحصانة المطلقة، من ذلك أن في هولاندا لا وجود لهذا النوع من الحصانة، إذ يمكن إيقاف أو تتبع البرلماني. كما أن الحصانة محدودة في كلّ من دساتير بريطانيا والسويد. وفي إيرلندا لا يتمتّع النائب بالبرلمان بالحصانة ولا يمكن إيقافه إلا إذا كان في طريقه إلى مقر البرلمان أو عائدا منه (الفصلين 13 و15 من الدستور الإيرلندي).
أمّا دستور الولايات المتحدة الأمريكية فإنه حجّر بالمادة السادسة منه منح الحصانة للنواب إذا كانت الجرائم المنسوبة إليهم تشكّل الخيانة أو الاعتداء على الأمن العام.
ومن البديهي أنّ من يعتدي على الأمن العام بالبلاد أو الخيانة يعتبر من أخطر الجرائم التي لا يمكن التسامح مع مرتكبيها لأنها اعتداء على الوطن وتتنافى مع قيمة المواطنة وواجب الوفاء له، ولا يمكن تحصين أيّ شخص من كل تتبع أو مساءلة إذا كانت الأفعال الصادرة عنه تمسّ بمصلحة البلاد العليا وبالأمن العام.
الحصانة البرلمانية ليست ملجأ للإفلات من العقاب
نعتقد أنّ نظام الحصانة البرلمانية الذي أقرّه الدستور التونسي في حاجة إلى المراجعة لأنه أعطى حماية مبالغ فيها وتنطوي على خرق لمبدأ مساواة الجميع أمام القانون، وهو مبدأ دستوري هام. وتتمثل المآخذ على هذا النظام في العناصر التالية:


إنّ الحصانة التي يتمتّع بها النائب في خصوص الاقتراحات أو الآراء التي يبديها أثناء أداء مهامه بالمجلس في محلهّا وأقرّتها جل الدساتير، لكن الفصل 68 تحدث أيضا عن الاعمال المرتبطة بمهامه النيابية، وهي عبارات عامة غير دقيقة، وقد تفتح المجال لتأويلات واسعة تجعل النائب في مأمن من كل تتبع حتى إذا ارتكب أفعالا لا تقتضيها بالضرورة مهامه، مثل الاعتداء بالعنف أو الثلب والشتم والاتهامات، وهي مظاهر لم تخلُ منها بعض البرلمانات، ورأينا البعض منها تحت قبة مجلس نواب الشعب.

الحصانة البرلمانية في الدساتير المقارنة

لقد تفطّن عدد من واضعي الدساتير الأجنبية لهذه الحالات، مثل الدستور الألماني الذي أقرّ عدم التمتع بالحصانة في صورة تفوّه النواب بعبارات الشتم والسب وذلك بالمادة 46 التي نصّت صراحة على أن النواب لا يتمتعون بالحصانة إذا تفوّهوا أثناء مداخلاتهم أمام البرلمان بعبارات الشتم والثلب. وأقرّ الدستور اليوناني نفس المبدأ بالفصل 61. والملاحظ أن الأنظمة الداخلية لبعض البرلمانات تضمّنت عقوبات تأديبية ضد النواب الذين يتجاوزون حدود اللياقة، مثلما وقع في الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 2013 عندما تهكّم أحد النواب على زميلته أثناء مداخلتها، أو في البرلمان المجرى عام 2013 حين اتّهم بعض النواب زملاءهم بالسرقة والكذب والغش.
وتجدر الإشارة إلى أنه أُدخل تنقيح هام على الدستور الفرنسي بموجب قانون دستوري مؤرخ في 04/08/1995، وبمقتضاه أصبح بالإمكان تتبّع النائب بالبرلمان دون حاجة إلى رفع الحصانة عنه من قبل مكتب المجلس إلاّ في صورة التلبّس بالجريمة أو عند اتّخاذ قرار بإيقافه أو أيّ إجراء آخر يقيّد حريته. غير أنه يمكن إيقاف التتبعات إذا طلب ذلك مكتب المجلس خلال الدورة البرلمانية فقط. وتطبيقا لهذا القانون تمّ تتبّع العديد من النواب بالجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) وبمجلس الشيوخ دون رفع الحصانة عنهم.
نقد الحصانة الواردة بالفصل 69 من الدستور
إن عدم إمكانية تتبع النائب أو إيقافه طيلة مدّة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة، وهو المبدأ الذي أقرّه الفصل 69 من الدستور. هو مبدأ منازع فيه، إذ لا شيء يبرّر هذه الحصانة التي يتمتع بها النائب رغم أن الأفعال المرتكبة لا علاقة لها إطلاقا بمهامه النيابية، والمفروض أن يقع تتبّعه من أجل ذلك دون حاجة إلى رفع الحصانة.
وفي اعتقادنا أنه رغم تمتّع النائب بالحصانة فإنه لا شيء يمنع من فتح بحث ضده وتتبّعه دون إيقافه من أجل أفعال إجرامية لا علاقة لها إطلاقا بمهامه النيابية، وهي الصورة الواردة بالفصل 69 من مجلة الإجراءات الجزائية وأنه لا مبرّر في هذه الحالة لتمتّعه بحصانة مطلقة مادامت الأفعال المرتكبة غير مرتبطة بالمهام النيابية.


هل يتمتّع بالحصانة النواب الذين ارتكبوا جرائم قبل انتخابهم بمجلس نواب الشعب؟
يبدو أنّ بعض الوجوه المنعوتة في المجتمع والتي تحوم حولها شبهات فساد هرعت إلى الترشّح للانتخابات التشريعية سعيا الى الفوز بمقعد بمجلس نواب الشعب عسى أن يتمتعوا بالحصانة والإفلات من أي تتبّع أو عقاب ممّا يجعل الغاية من الترشح لدى البعض ليست خدمة للمصلحة العامة والمساهمة في تطوير التشريع والدفاع عن حقوق الناخبين ومصالحهم، بل لكي يصبحوا في مأمن من أيّة مساءلة من أجل أفعال ارتكبوها في الماضي، ممّا يطرح إشكالية قانونية تتمثل في التساؤل عمّا إذا كانت الحصانة تشمل أفعالا إجرامية اقترفت قبل الفوز بمقعد في الانتخابات التشريعية، أي قبل أن يكتسب مرتكبها صفة النائب ؟
لقد جاءت صيغة الفصل 69 من الدستور مطلقة وتنصّ على تمتيع النائب بالحصانة، ولم يتعرّض الدستور لهذه الإشكالية الدقيقة. ويتّجه التذكير بأنه من المبادئ القانونية أنه "إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها" إلا أنه ليس من المنطق أن يتمتع النائب بحصانة رغم أن الأفعال التي اقترفت قبل اكتسابه صفة النائب هي أفعال إجرامية وأنه في تاريخ ارتكابها لم تكن له صفة النائب بل كان مواطنا عاديا لا يتمتع بأيّة حصانة مسبقة، والمفروض أن يُؤاخذ جزائيا من أجلها، لأنّ الحصانة تشمل الأفعال التي يرتكبها النائب وليس الأفعال التي لم تكن لمقترفها صفة النائب في تاريخ اقترافها.
ولتفادي هذه الإشكاليات، فإنه يتعيّن تنقيح الدستور والقانون الانتخابي وجعل قبول الترشحات للانتخابات التشريعية يتوقف على إدلاء المترشح بالبطاقة عدد 3 للتأكّد من أنه عديم السوابق العدلية، وقد نادى بذلك بعضهم وهذا أمر ضروري، إذ أنه لا يمكن لأيّ شخص أن يكون نائبا بمجلس نواب الشعب، وهو من ذوي السوابق العدليّة، وذلك لاعتبارات أخلاقية، فهذا الصنف من الأشخاص ليسوا جديرين بتمثيل الشعب ولا يمكن أن يتمتعوا بأية حصانة، فالبرلمان ليس غرفة للتطهير من الذنوب ومن الأفعال الإجرامية، وخاصة تلك التي تضرّ بالمصلحة العليا للبلاد وبالمال العام، كما أن قبّة البرلمان لا يمكن أن تكون ملاذا للمشبوهين ومظلّة أو سقفا "من حديد" يحمي الفاسدين ومرتكبي الجرائم من صواعق التتبعات والعقوبات.
ونستحضر في هذا المقام ما ورد في خطاب ألقاه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمناسبة إشرافه على إنعقاد المجلس الأعلى للقضاء إذ قال: "الدولة لا تسقط إلاّ بفساد أبنائها ورجالاتها".

  *أستاذ متميّز بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس



mardi 24 septembre 2019

النيابة العمومية بين تعليمات السلطة التنفيذية واستقلالية القضاء


شهدت البلاد بعد الثورة عدّة محاكمات شملت أصنافا مختلفة من الأشخاص من أجل جرائم متنوعة ذات خلفيات سياسيّة أحيانا ومنها ما يتعلّق بالحق العام وبحريّة الصحافة والتعبير وأدت إلى إيقاف العديد من المتهمين بموجب قرارات صادرة من النيابة العمومية أو بطاقات إيداع صادرة عن قضاة التحقيق أو دوائر الاتهام وأثارت هذه التتبعات والإيقافات جدالا كبيرا حول جملة من المسائل ذات الصلة بالمؤسسة القضائية تمحورت حول استقلال القضاء ومن بين المواضيع المطروحة على النقاش اليوم استقلالية النيابة العمومية ومعلوم أن القضاء العدلي هو الحامي الطبيعي للحريات الفردية وهي من أهم حقوق الإنسان الأساسية ولا يمكن للقضاء أن يحقق تلك الحماية على الوجه الأكمل إلا إذا كان مستقلا عن السلطة التنفيذية ومتحليا بالحياد والتجرد وان يكون في مأمن من أي ضغط ، ومعلوم أن القضاء العدلي ينقسم إلى قضاء جالس الذي يصدر الأحكام وقضاء واقف أي النيابة العمومية وسميت كذلك لأنه عندما يرافع احد أعضاء النيابة بالجلسة يكون واقفا ويمثلها لدى كل محكمة ابتدائية وكيل الجمهورية ولدى محكمة الاستئناف الوكيل العام ولدى محكمة التعقيب وكيل الدولة العام.

- صلاحيّات النيابة العمومية -

  تتمتع النيابة العمومية بصلاحيات كبيرة نصت عليها مجلة الإجراءات الجزائية في مقدمتها إثارة الدعوى العمومية وممارستها والمطالبة بتطبيق القانون وتولي تنفيذ الأحكام كما أن وكيل الجمهورية يقوم بمعاينة سائر الجرائم وقبول الشكايات وخاصة يجتهد في تقرير مآلها وله أن يأذن بإجراء تتبعات وأبحاث وله أيضا أن يحفظ الشكايات وهذا يعدّ من أهم صلاحياته وذلك عملا بمبدأ ملاءمة التتبع الخاضعة لاجتهاده المطلق وفي هذا السياق يقول المحامي الفرنسي المعروف G. KIEJMAN "إن النيابة العمومية نظرا لما لها من صلاحيات في حفظ الشكايات تعدّ أهم قاض في فرنسا" ولوكيل الجمهورية في حالة التلبس بجنايات أو جنح جميع ما لقاضي التحقيق من السلط ويمكنه اتخاذ قرار في إيقاف المظنون فيهم كما أن مأموري الضابطة العدلية يعملون تحت إشراف وكيل الجمهورية والمدعين العموميين ووكيل الجمهورية هو الذي يقرر التمديد في آجال الاحتفاظ والنيابة العمومية هي طرف أساسي في جميع القضايا الجزائية ويحضر ممثلها في جميع الجلسات ويطالب أثناءها بالمحاكمة طبق فصول الإحالة وعادة يطالب بتشديد العقوبات المستوجبة على مرتكبي الجرائم وهو يدافع مبدئيا عن المصلحة العامة وعن الهيئة الاجتماعية.
وللنيابة العمومية أيضا استئناف وتعقيب الأحكام الجزائية وكذلك استئناف قرارات قاضي التحقيق القاضية بالإفراج عن المتهم وفي هذه الصورة لا ينفذ قرار الإفراج إلى أن تبت دائرة الاتهام في الطعن.

- تجليات خضوع النيابة العمومية للسلطة التنفيذية -

إن هذه الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها النيابة العمومية أثارت جدالا كبيرا لدى فقهاء القانون في مختلف أنحاء العالم وطرحت بالخصوص مسالة علاقتها بالسلطة التنفيذية ومدى استقلاليتها عنها خاصة وان وضعية النيابة العمومية في المنظومة القضائية الجزائية خاصة تختلف عن وضعية القضاء الجالس وتكريسا لخضوع النيابة العمومية للسلطة التنفيذية نص الفصل 15 من القانون المتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة على أن "قضاة النيابة العمومية خاضعون لإدارة ومراقبة رؤسائهم المباشرين ولسلطة وزير العدل"، كما أن الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية خول لوزير العدل إبلاغ الوكلاء العامين لدى محكمة الاستئناف الجرائم التي يحصل له العلم بها وان يأذنهم بإجراء التتبعات سواء بنفسهم أو بواسطة من يكلفهم وبان يقدم إلى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى وزير العدل من المناسب تقديمها  واقر الفصل الأول من القانون عدد 80 لسنة 1987 المؤرخ في 29/12/1987 نفس الأحكام كما أن الفصل 21 من مجلة الإجراءات الجزائية نصّ على أن "النيابة العمومية تقدم طلبات كتابية طبقا للتعليمات التي تعطى لها".
غير أن الفصل 15 من القانون المتعلق بنظام القضاء نصّ على أنه "أثناء الجلسة لأعضاء النيابة العمومية حرية الكلام" وذلك عملا بالمبدأ القانوني القائل بان "القلم أسير والكلمة حرة" ومعنى ذلك انه يمكن للنيابة العمومية أثناء الجلسة أن تبدي بكل حرية ما لها من ملحوظات شفاهية غير أنها مقيدة بالطلبات الكتابية التي لديها وقد تكون هناك طلبات صادرة عن عضو آخر من أعضاء النيابة باعتبارها لا تتجزأ وهذا أيضا من خصائص هذا الجهاز القضائي.
إن كل هذه النصوص تقر بكل وضوح عدم استقلالية النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية إذ أنها خاضعة لتعليمات وزير العدل وهو يمثل السلطة التنفيذية باعتباره عضوا في الحكومة وهذه الوضعية موجودة أيضا في عدّة أنظمة قضائيّة أجنبيّة نذكر منها القانون الفرنسي الذي تخضع فيه النيابة العمومية لسلطة وزير العدل كما أن النظام الأساسي لأعضاء النيابة العمومية يختلف جزئيا عن نظام القضاة الجالسين إذ يمكن للحكومة في فرنسا تسمية ونقلة الوكلاء العامين ووكلاء الجمهورية بكل حرية بعد اخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء دون التقيد به، وفي المغرب فان وزير العدل هو الذي يشرف على تنفيذ السياسة الجزائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها وله أن يأمرهم كتابة بمتابعة مرتكبي الجرائم طبق الفصل 51 من قانون المسطرة الجنائية المغربيّة، وفي مصر تنصّ المادة 125 من القانون رقم 142 لسنة 2006 على أن أعضاء النيابة يتبعون رؤسائهم والنائب العام ولوزير العدل حق الرقابة والإشراف الإداري على النيابة وأعضائها ويبرر بعضهم تبعية النيابة العمومية للسلطة التنفيذية وترؤس وزير العدل لها بكون هذا الأخير هو المسؤول عن سياسة الدعوى العمومية التي تضبها الحكومة ويسهر على تطبيقها، وقد نص الفصل 30 من مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية على ذلك غير أن في التشريع الفرنسي لا يمكن لوزير العدل أن يأذن بعدم التتبع في حين انه يمكنه الإذن بالتتبع وكانت تكونت لجنة في فرنسا للتفكير في القضاء الجزائي سنة 2009 سميت لجنة Leger اعتبرت انه لا يمكن إقصاء السلطة التنفيذية التي تستمد شرعيتها من العملية الديمقراطية من ضبط السياسة الجزائية والعمل بها بكامل تراب الجمهورية وانه لا يمكن قطع الصلة بين النيابة العمومية والسلطة التنفيذية غير أن رأي هذه اللجنة كان محل انتقاد العديد من فقهاء القانون والهيآت المهتمة بالشأن القضائي.

- نتائج عدم استقلاليّة النيابة العموميّة عن السلطة التنفيذية -

ارتفعت الأصوات في العديد من البلدان التي تخضع فيها النيابة العمومية للسلطة التنفيذية منادية باستقلالها عنها حتى تؤدي دورها في حماية حقوق الإنسان والحريات العامة، فقد انتقدت نقابة القضاة في فرنسا بتاريخ 16/03/2006 خضوع النيابة العمومية للسلطة التنفيذية ودعت الندوة الوطنية لوكلاء الجمهورية بفرنسا بتاريخ 08/08/2010 إلى محو "صورة نيابة عمومية غير مستقلة عن السلطة التنفيذية" كما أن المجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين اعدّ ميثاق للقضاة بتاريخ 17/11/2010 تضمن أن استقلالية النيابة العمومية هي من متطلبات دولة القانون.
إن عدم استقلالية النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية جعلت جانبا من فقه القضاء ورجال القانون يذهبون إلى أن النيابة العمومية ليست سلطة قضائية إذ أن خضوعها للسلطة التنفيذية تجردها من إحدى المواصفات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها القضاء وهي الاستقلالية وفي هذا السياق اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن النيابة العمومية في فرنسا ليست سلطة قضائية لأنها ليست مستقلة عن السلطة التنفيذية وصدر في هذا المعنى حكم بتاريخ 29/03/2010 وحكم آخر بتاريخ 23/11/2010 في قضية المحامية "مولان" تضمن  أن أعضاء النيابة العمومية بفرنسا لا تتوفر فيهم مقتضيات الاستقلالية إزاء السلطة التنفيذية وأكدت محكمة التعقيب الفرنسية في قرار لها صدر في 15/12/2010 نفس الاتجاه غير انه في اعتقادنا أن هذا الرأي ينطوي على بعض  الشطط لان النيابة العمومية حتى ولو كانت غير مستقلة عن السلطة التنفيذية تبقى مع ذلك سلطة قضائية بدليل أن القوانين الأساسية للقضاة تشملهم كما هو الشأن في التشريع التونسي إذ استعمل المشرع عبارة "قضاة النيابة العمومية" وأكد المجلس الدستوري في فرنسا في قراره الصادر في 05/08/1993 أن وكيل الجمهورية هو قاض تابع للسلطة القضائية فهو يساهم في مراقبة احترام ضمانات الحريات الفردية كما أكّد في قراره المؤرخ في 11/08/1993 أن السلطة القضائية تشمل القضاء الجالس والنيابة العمومية والرأي عندنا أن النيابة العمومية تبقى سلطة قضائية ولكنها غير مستقلة عن السلطة  التنفيذية باستثناء النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب الممثلة في شخص وكيل الدولة العام الذي لا يخضع لتعليمات وزير العدل إلا في حالة واحدة نصّ عليها الفصل 258 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي خوّل له الطعن بالتعقيب في الأحكام والقرارات الصادرة في الأصل نهائيا بناءا على الأمر الصادر له من وزير العدل.
إنّ خضوع أعضاء النيابة العمومية للسلطة التنفيذية يجعلهم بمثابة الموظفين حسب بعضهم وفي هذا الإطار يرى رئيس المجلس الدستوري الفر نسي الأسبق Pierre Mazeaud أن القاضي ليس موظفا فهو يصدر الأحكام باسم الشعب في حين أن الموظف مرؤوسا وفي هذا السياق يقول احد قضاة التحقيق الفرنسيين وهو Mathieu Bonduelle أن "النيابة العمومية تبدو كأنها حصان طروادة بالنسبة للسلطة التنفيذية في سير عمل السلطة القضائية وانه يتعين إدخال إصلاحات على مؤسسة النيابة العمومية لضمان استقلاليتها إزاء وزارة العدل لتحقيق الفصل بين السلط".

-      آليات تكريس استقلالية النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية –

هناك عدة طرق لضمان استقلالية النيابة العمومية في مقدمتها إعطاء ضمانات ناجعة لأعضائها وحمايتهم من العزل والنقل والعقوبات التأديبية التعسفية كما انه يجب إقرار أحكام خاصة بتعيينهم وبمسارهم المهني.
وبالرجوع إلى القانون المقارن نلاحظ أن الأنظمة التي تخضع لها النيابة العمومية تختلف من بلد إلى آخر خاصة في مستوى الجهاز المكلف بالنيابة العمومية وفي خصوص تعيين أعضائها وبالأخص المشرف عليها وهناك نظامان كبيران في العالم في الوقت الحاضر
النظام الأول: يتمثل في انتخاب رئيس النيابة العمومية وقد وقع العمل بهذه الطريقة في بلدان أوروبا الشرقية قبل سنة 1989 ويتم الانتخاب من قبل البرلمان أو مجالس محلية ومازال هذا النظام معمولا به حتى الآن بالمجر أين ينتخب النائب العام من قبل البرلمان لمدة ست سنوات كما انه مازال العمل أيضا بنظام الانتخاب في الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء ولايتي فلوريدا وهاواي إذ يقع انتخاب النائب العام في مستوى الولايات ويسمى Districts attorneys  من قبل مجموع السكان ولا يخلو انتخابه من طابع سياسي إذ أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدعم كل واحد منهما مرشحه إلا انه يشترط في المترشحين الكفاءة القانونية العالية، وعادة ما يكون المترشح من بين المحامين الناجحين في عملهم المهني ويتم الانتخاب لمدة تتراوح بين عامين وأربع سنوات أما النائب العام على المستوى الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية ويسمى United States attorneys  فان الرئيس هو الذي يسميه لمدة أربع سنوات ويتمتع بصلاحيات هامة.
النظام الثاني: يكون فيه النائب العام معينا ولا منتخبا وهذا النظام معمول به بفرنسا وكذلك في السويد بعد إتباع إجراءات خاصة واجتياز امتحان مهني وفي بقية البلدان عادة ما تتم تسمية أعضاء النيابة العمومية من قبل رئيس الدولة وفي اسبانيا يعين رئيس النيابة العمومية من قبل الملك ولكنه ليس ملزما بالامتثال لتعليمات الحكومة وفي البرتغال اقر الدستور صراحة استقلالية النيابة العمومية بالفصل 221 منه ولا يترأس وزير العدل النيابة العمومية بل الوكيل العام للجمهورية وفي ايطاليا فان النيابة العمومية مستقلة عن السلطة التنفيذية ولكنها ملزمة في كل الحالات بالإذن بالتتبع.
وفي ألمانيا وبولونيا واليابان يخضع أعضاء النيابة العمومية لرؤسائهم.  
وفي مصر يسمى النائب العام من قبل رئيس الجمهورية طبق الفصل 119 من القانون عدد 35 لسنة 1984 المتعلق بالسلطة القضائية من بين نواب رؤساء الاستئناف أو مستشاري محكمة النقض أو المحامين العامين الأول على الأقل وللنائب العام أن يطلب عودته إلى العمل بالقضاء كما أن الفصل 67 من نفس القانون نص على أن النيابة العامة عدى معاوني النيابة غير قابلين للعزل ولا ينقل مستشار محكمة النقض إلى محكمة الاستئناف أو النيابة العامة إلا برضائهم ومعلوم أن مصر شهدت حدثا سياسيا وقضائيا هاما متمثلا في أن الرئيس السابق محمد مرسي اصدر قرارا جمهوريا بتاريخ 21/11/2012 قضى بتنحية النائب العام عبد المجيد محمود إلا أن محكمة الاستئناف بالقاهرة ألغت هذا القرار بتاريخ 27/03/2013 وعللت حكمها بقولها "أن قرار العزل فيه مساس مباشر باستقلال السلطة القضائية وحصانتها المقررة بموجب الوثائق الدستورية وبحصانة منصب النائب العام المقرر بموجب قانون السلطة القضائية وانه كان من المتعين أن يتم استفتاء الشعب عليه لا أن تنفرد السلطة التنفيذية والذي هو في الأصل محصن منها بإصداره وتنفيذه بشكل فوري " وهذا القرار يكتسي أهمية كبيرة إذ يؤكد الحصانة التي يتمتع بها النائب العام في مصر وبأنه لا احد يعلو القانون وهو قرار يكرس دولة القانون واستقلال القضاء المصري عن السلطة التنفيذية.
وتمّ التعرّض لمسألة استقلاليّة النيابة العمومية عند إعداد الدستور الجديد من قبل المجلس الوطني التأسيسي ودار نقاش كبير بين النوّاب حول هذا الموضوع انتهى الى "صيغة توافقية" تتمثّل فيما نص عليه الفصل 115 من الدستور الجديد من أنّ "النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور. ويمارس قضاة النيابة العمومية مهامهم المقررة بالقانون وفي إطار السياسة الجزائية للدولة طبق الإجراءات التي يضبطها القانون".
ومن الواضح أنّ هذا الفصل لم ينص صراحة على استقلاليّة النيابة العمومية واكتفى بتمتيع أعضائها بالضمانات التي تضمنها الدستور ممّا يعني أنّ هذا الموضوع مازال مطروحا طالما أنّه لم يقع التنصيص صراحة في الدستور على استقلاليّة النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية ومازالت الاحكام الواردة بمجلة الإجراءات الجزائيّة بالفصلين 21 و23 والمتضمنة خضوع النيابة العمومية لتعليمات السلطة التنفيذية نافذة المفعول ممّا يجعل موضوع استقلالية النيابة العمومية مازال مطروحا طالما لم يقع التنصيص صراحة على تلك الاستقلاليّة في الدستور أو في القانون.
وإنّ هذه الاستقلالية ضرورية لأنها ضمان لاحترام الحقوق والحريات الأساسية وتحول دون  تدخّل السلطة التنفيذية في الشأن القضائي وفي بعض القضايا التي قد تكون لها خلفيات سياسية وحتى قضايا أخرى، بالإضافة إلى تكريس الفصل بين السلط وهو قوام النظام الديمقراطي ويمكن التفكير في إحداث هيئة خاصة بالنيابة العمومية على غرار ما هو موجود في بعض البلدان الأجنبية مع الاستئناس بالقانون المقارن خاصة في تشريعات الدول العريقة في الديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية للمواطن وسنّ نصوص تضمن استقلالية القضاء سواء كان الجالس أو الواقف إذ هو الكفيل وحده بضمان تلك الحقوق شريطة أن يكون في مأمن من أي ضغط أو تدخل مهما كان نوعه، فالقضاء  إما أن يكون مستقلا أو لا يكون.
وفي نظرنا هناك خياران يمكن إقرار أحدهما:
 الخيار الأول: يتمثل في الإبقاء على النظام الحالي للنيابة العمومية مع تنقيح الأحكام المتعلقة الخاصة بها والواردة بمجلة الإجراءات الجزائية والقانون الأساسي للقضاة وذلك بحذف بعض الفصول المكرسة لتبعية وخضوع النيابة العمومية لتعليمات السلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل.
 الخيار الثاني: يتمثل في إحداث خطة نائب عام يرأس النيابة العمومية يتمتع باستقلالية وبحصانة خاصة على غرار النائب العام بمصر وفي غيرها من البلدان الأوروبية بالخصوص، دون أن يمنع ذلك من خضوعه لإشراف إداري ويمكن التعمق في جزئيات هذا الخيار بالاستئناس بالقانون المقارن ورأي فقهاء القانون والأنظمة القانونية الأجنبية.
وفي اعتقادنا انه لا بدّ من تحديد صلاحيات صاحب هذه الخطة وإقرار بعض الضوابط لان استقلالية النيابة العمومية لا يعني منحها نفوذا مطلقا إذ يخشى أن يؤدي ذلك إلى التعسف وبعض التجاوزات واتخاذ قرارات أو إجراءات اعتباطية قد تمس من الحريات الأساسية وقد حذر العديد من فقهاء القانون ممّا سمّي "شبح حكومة القضاة" وهو مصطلح كان استعمله Edouard Lambert سنة 1921 في معنى محدد مرتبط بدور المحكمة العليا الأمريكية في مراقبة دستورية القوانين ثمّ أصبح مستعملا اليوم في معنى آخر يتمثل في ما يمكن أن يصدر عن بعض القضاة المتمتعين بنفوذ واسع من قرارات تعسفية كما أن من معاني "حكومة القضاة" طبق ما جاء في إحدى معاجم العلوم السياسية الوضعية التي يصبح فيها القضاة قادرين على إحلال خياراتهم الشخصية محل خيارات أصحاب السلطة السياسية بإلغاء قراراتهم أو بتهديدهم بالتتبعات وهذا خطر كبير وفي هذا السياق تقول الأستاذةDanièle Lochak "إن دولة القانون في حاجة إلى قضاة لكن النفوذ الممنوح لهم قد ينجم عنه "شبح حكومة القضاة" ممّا تصبح معه مقتضيات دولة القانون متعارضة مع متطلبات الديمقراطية"، ولا شك أن كل هذه الاعتبارات تستوجب معالجة هذا الموضوع بكل حذر للحيلولة دون أن تؤدي استقلالية النيابة الكاملة إلى التعسف في نفوذها واتخاذ قرارات اعتباطية وتحكمية والاستقلالية هي أيضا في آخر الأمر مسؤولية أو لا تكون.       



                                                                                     عبد الله الأحمدي
دكتور دولة ومبرز في القانون الخاص والعلوم الجنائية