mercredi 13 février 2013

حول الجوانب القانونية لمبادرة رئيس الحكومة وتداعياتها السياسية


على اثر إعلان السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة قراره بتشكيل حكومة تتركب من كفاءات وطنية لا تنتمي إلى أي حزب ودون الالتجاء إلى المجلس الوطني التأسيسي لتزكيتها اتصلنا بالأستاذ عبد الله الأحمدي بوصفه من رجالات القانون ومهتما بحقوق الإنسان والدستور لاستفساره حول الجوانب القانونية والسياسية المتعلقة بهذه المبادرة التي تشغل بال المواطنين في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد وكان لنا معه هذا الحوار.
-   سؤال: ما هي الأسباب التي جعلت مبادرة السيد حمادي الجبالي تثير جدلا كبيرا بين رجال القانون وخاصة المختصين منهم في القانون الدستوري ؟
- الجواب: مرد هذا الجدل عدة أسباب منها أن بعض أحكام القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية والذي سماه بعضهم "الدستور الصغير" اكتنفها بعض الغموض وشابتها نقائص بل بعض التضارب أحيانا وفعلا بالرجوع إلى الفصول من 15 إلى 19  المتعلقة بكيفية تشكيل الحكومة نلاحظ أنها تعرضت لفرضيتين أولهما أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب الحاصل على اكبر عدد من المقاعد في المجلس التأسيسي لتشكيل الحكومة ثم يتم تقديمها ليمنحها المجلس الثقة بالأغلبية المطلقة وهذا ما وقع بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 والفرضية الثانية تتمثل في عجز رئيس الحكومة المكلف من قبل الرئيس عن تشكيل الحكومة في ظرف خمسة عشرة يوما  أو عدم حصولها على ثقة المجلس وفي هذه الصورة يتولى رئيس الجمهورية اختيار الشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة "بنفس الإجراءات وفي نفس الآجال السابقة" أي بعد مضي خمسة عشرة يوما من تاريخ التكليف طبق ما جاء في الفصل 15 من القانون المذكور. وفي هذه الحالة تكون لرئيس الجمهورية الحرية الكاملة في اختيار الشخص الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة أي ليس من الضروري أن يكون ممثلا للحزب الحاصل  على اكبر عدد من المقاعد بالمجلس التأسيسي ولكن حتى في هذه الصورة لا بد من مصادقة المجلس الوطني التأسيسي على الحكومة الجديدة.
و لا شك أن مبادرة السيد حمادي الجبالي لا تندرج ضمن هذين الحالتين باعتبار انه اتخذ المبادرة من تلقاء نفسه مما يثير إشكالية قانونية
- سؤال: هل معنى هذا انه يجب على الحكومة التي ينوي السيد حمادي الجبالي تشكيلها من الكفاءات أن تحصل على ثقة المجلس الوطني التأسيسي؟
الجواب: هذا السؤال هو محور الجدل المشار اليوم بين خبراء القانون الدستوري علما بان السيد حمادي الجبالي أكد انه لا ينوي الرجوع إلى المجلس الوطني التأسيسي عند تشكيل الحكومة. ونبادر إلى القول بان مبادرة السيد حمادي الجبالي والتي اتخذها دون استشارة احد حسب ما صرح به لم يتعرض لها قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية ولعل واضعوه لم يتصوروا هذه الصورة التي فاجأت العديد من السياسيين وهذا ما يفسر الفراغ التشريعي ذلك أن رئيس الجمهورية لم يكلفه بتشكيل حكومة تتركب من كفاءات وطنية لا تنتمي إلى أي حزب سياسي كما أن الحكومة الحالية التي يرأسها ليست مستقيلة إذ لم يسحب منها المجلس الوطني التأسيسي ثقته كما يقتضيه الفصل 19 من القانون المنظم للسلط العمومي. ولا يمكن تشكيل حكومة جديدة قبل إنهاء مهمة الحكومة الحالية والتي مازال يترأسها السيد حمادي الجبالي وهو ينتمي إلى حركة النهضة صاحبة اكبر عدد من المقاعد مما يجعل شرعيته الشخصية كرئيس للحكومة باقية ولكن الطريف في الأمر أن الوزراء الذين سيعينوهم لا يمثلون الأغلبية بالمجلس باعتبارهم لا ينتمون إلى أي حزب سواء كان خارج المجلس أو ممثلا به مما يجعل حصولها على ثقة المجلس الوطني التأسيسي غير مضمون بل يكاد يكون منعدما خاصة بعد أن أعربت حركة النهضة عن معارضتها للمبادرة وهو أمر يثير عدة تساؤلات باعتبار أن صاحب المبادرة هو الأمين العام للحركة وان هذا الموقف هو بمثابة سحب الثقة منه فيصبح بقاؤه كأمين عام لها غير ممكن إذ المفروض أن يحظى بثقة حزبه فضلا على انه من المفارقات أن تساند المعارضة تلك المبادرة ويعارضها حزب صاحبها    .
- سؤال: إذن ما هو الحل ؟
- الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال يتجه التذكير بان السيد حمادي الجبالي أكد انه سيعتمد في مبادرته على اخذ آراء الأطراف ودعاهم لتقديم مقترحات وكذلك الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي  وان في صورة عدم قبول مبادرته سيستقيل. أن هذا التمشي ينطوي على سعي رئيس الحكومة إلى التوافق بقطع النظر عن الإجراءات والأحكام القانونية. وفي اعتقادنا انه إذا تعلق الأمر بمجرد تحوير وزاري وليس تشكيل حكومة جديدة كاملة فانه لا حاجة إلى الرجوع إلى المجلس الوطني التأسيسي خاصة أن الفصل 17 من قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية خوّل لرئيس الحكومة إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة فضلا على أن رئيس الجمهورية يعين رئيس الحكومة ولا يختار الوزراء طبق الفصل 11 من القانون المتعلق بتنظيم السلط العمومية ولكن رغم ذلك تبقى إمكانية سحب الثقة من الحكومة أو من احد أعضائها من قبل المجلس الوطني التأسيسي بواسطة لائحة لوم واردة إذا توفرت شروطها وهي حصول الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس ومن الصعب التكهن مسبقا بتركيبة الأغلبية الجديدة بعد موقف حزبي التكتل والمؤتمر وهناك سؤال آخر يتعلق بموقف نواب النهضة من التشكيلة الجديدة وهل سيحافظ هؤلاء على وحدتهم فيصوت جميعهم ضد التشكيلة الجديدة أم يمكن أن يحصل انقسام بينهم ويتكون ائتلاف آو أغلبية جديدة تتضمن كتلا من المعارضة وبعض النواب من حركة النهضة الذين قد يبقون موالين للسيد حمادي الجبالي. إن الأيام القادمة هي التي ستاتينا بالجواب على هذه الأسئلة والتي تدل على تعقد الأزمة التي تعيشها البلاد من الناحيتين القانونية والسياسية إذ أننا نشهد مشهدا سياسيا طريفا يخرج عن القوالب التقليدية في الأنظمة السياسية وخاصة النظام البرلماني وهو وضع نادر للغاية إذ أن المعارضة تساند أمين عام الحزب الحاصل على الأغلبية بينما يعارضه النواب المنتمين لحركته تلك هي المفارقات الجديدة.
- سؤال : ما هو الحل إذا عجز السيد حمادي الجبالي عن تشكيل الحكومة من كفاءات وطنية وقدم استقالته؟
- الجواب: في هذه الصورة ستدخل البلاد في أزمة سياسية حادة ومأزق قانوني إذ هناك فراغ تشريعي ذلك أن القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لم يتعرض صراحة إلى حالة تقديم رئيس الحكومة لاستقالته الشخصية من منصبه  باستثناء صورة سحب الثقة من كامل الحكومة من قبل المجلس الوطني التأسيسي بواسطة لائحة لوم طبق الفصل 19 من هذا القانون والذي اعتبر الحكومة مستقيلة في هذه الصورة إلا انه تجدر الإشارة إلى أن الفقرة الأخيرة من هذا الفصل تعرضت لصورة حصول شغور في منصب رئيس الحكومة لأحد سببين فقط أولهما العجز التام وثانهما الوفاة وفي هذه الحالة يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الحزب الحاصل على اكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي للقيام بمهام رئيس الحكومة ولم يتعرض القانون لصورة الشغور في المنصب نتيجة لاستقالة رئيس الحكومة بمفرده من منصبه وكان على واضعي هذا القانون أن يتصوروا هذه الصورة وان يقروا لها الحل المناسب وذلك بالتنصيص على كيفية تعويضه. ويحق التساؤل عن إمكانية تطبيق أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 19 المشار إليها إذا قدم السيد حمادي الجبالي استقالته نتيجة لعدم تمكنه من تشكيل حكومة كفاءات وذلك بجعل رئيس الجمهورية يكلف شخصا آخر يكون مرشح الحزب الحاصل على اكبر عدد من المقاعد بالمجلس؟
أن نطاق تطبيق هذه الفقرة منحصر في حالتي الوفاة أو العجز التام والمقصود به هو العجز البدني وليس السياسي ولا تندرج استقالة السيد حمادي الجبالي إذا حصلت ضمن هذين الصورتين مما يجعل الإشكال القانوني قائما إلا إذا اتبعنا طريقة القياس في تأويل النصوص واعتبرنا هذه الاستقالة شغورا مثل الحالتين المنصوص عليهما في تلك الفقرة ويتم إقرار نفس الحل الوارد بها وتبقى المسالة قابلة للنقاش.


- سؤال: ما هو رأيك في الدعوة إلى حل المجلس الوطني التأسيسي ؟
- الجواب: نتفهم أسباب هذه الدعوة نظرا للتأخير الكبير في وضع الدستور الجديد إلا انه في اعتقادي أن هذه الدعوة غير وجيهة لسببين أولهما قانوني ويتمثل في أن القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لم ينص على إمكانية حل المجلس الوطني التأسيسي ومن ناحية أخرى فانه لا وجود لأية سلطة تعلو سلطة وشرعية هذا المجلس مؤهلة لحله إذ أن المجلس لا يزول إلا بعد انتخاب البرلمان الجديد  وثانهما سياسي إذ أن حل المجلس الوطني التأسيسي لن يحل الأزمة التي تعيشها البلاد في الوقت الحاضر بل سيزيدها حدة وسيتعطل السير العادي لدواليب الدولة وسيزيد في طول الفترة الانتقالية وهذا لا يخدم مصلحة البلاد وعلى صعيد آخر يجب تطويع أحكام القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط مع المرونة في تأويلها حتى لا تكبلنا وتحول دون إيجاد حلول ملائمة مع الوضع الحالي لان القانون هو في آخر الأمر لخدمة الإنسان والبلاد وليس العكس ونرجو حصول وفاق بين كل الأطراف لتجاوز هذه الأزمة ولا يتأتى ذلك إلا بمراعاة مصلحة الوطن العليا والابتعاد عن الحسابات السياسية الضيقة المبنية على الأنانية والمصالح الخاصة .
- سؤال: ما هي المسائل المتأكدة ذات الأولوية بعد التحوير الوزاري المرتقب؟                                                                                                                                                 -  جواب: من أهم الأمور المتأكدة إتمام إعداد الدستور وكذلك القانون الانتخابي الجديد وتحديد موعد نهائي لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في اقرب وقت فقد طال الانتظار وعيل صبر المواطنين وضاقوا ذرعا وتبرما من النسق البطيء في عمل المجلس إذ مازالنا في مرحلة مناقشة المسودة والتي مازالت في حاجة إلى التحسين والإضافات والعمل على عدم تكرار مثل الثغرات التي شابت "الدستور الصغير" والتي كانت سبب الإشكاليات القانونية المطروحة اليوم كما يتعين إعادة الصياغة من حيث المصطلحات والمنهجية ونرجو أن يكمل المجلس الوطني التأسيسي الإنهاء من وضع المشروع النهائي للدستور في وقت قريب وإعطاء هذه المسالة الأولوية المطلقة وتفادي إضاعة الوقت في النظر في نصوص قانونية أخرى ليست متأكدة خاصة وان المواطنين لما انتخبوا المجلس كان ذلك لغاية أساسية هي إعداد الدستور في ظرف سنة طبق ما هو منصوص عليه في الأمر القاضي بالدعوة إلى انتخاب أعضاء المجلس فضلا على التزام جل الأحزاب الممثلة فيه بإعداد الدستور في ظرف عام وهو التزام سياسي وأدبي والمفروض أن يستجيب المجلس لرغبة الشعب وهو صاحب السيادة وهو سيد كل المؤسسات التي يجب أن تكون في خدمته بما فيها المجلس الوطني التأسيسي.