mercredi 17 octobre 2012

قراءة في مشروع مسودة التوطئة العامة للدستور



بعد انتظار طويل نسبيا و تشويق كبير،أعدت مشكورة لجنة التوطئة و المبادئ الأساسية صياغة مسودة أولى للتوطئة نشرتها الصحافة بتاريخ 5 جوان 2012 و كان سبق لنا ان نشرنا في 6 مارس 2012 مقالا حول مفهوم التوطئة و قيمتها القانونية أبرزنا فيه بالخصوص المواصفات التي يجب ان تتوفر في التوطئة.
 و حرصا منا على الإسهام في الحوار الوطني الدائر حول هذه المسالة المصيرية التي تهم مستقبل البلاد نظرا إلى المكانة المرموقة التي تتبوؤها التوطئة في الدستور فإننا سنبدي بعض الملاحظات بشان موضوع مسودة التوطئة و لا سيما من حيث المصطلحات الواردة فيها و الأسلوب الذي حررت فيه المبادئ الواردة فيها مع التقدم بجملة من المقترحات في خصوص كل هذه العناصر:

1/فيما يتعلق بالمصطلحات :  
لقد استعمل واضعو هذه المسودة بعض المصطلحات القابلة للنقاش لأنها تثير إشكاليات دقيقة حول المقصود بها نذكر منها عبارة "التفتح" التي لا تؤدي بمفردها معنى واضحا مادامت ليست مشفوعة ببيان ما يقع التفتح عليه إذ أن التفتح قد يكون على عدة أفكار أو مبادئ أو توجهات و نقترح أن يكون التفتح على الحداثة، كما وردت في المسودة جملة" نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي"، ولعل هذا النعت هو ترجمة للعبارة الفرنسية Participative و هو وصف يطلق عادة على نمط من الديمقراطية و لا على نظام سياسي، و الديمقراطية التشاركية التي نظّر لها الفيلسوف الألماني  JǛRGEN HABERMAS  و يعبر عنها أيضا بديمقراطية القرب  Démocratie de proximité و لها معنى خاص و دقيق، إذ ترمي أساسا إلى مساهمة السكان في اتخاذ القرارات التي تهم أحياءهم وهي ضرب من الديمقراطية "المحلية" وقد ظهر هذا التوجه بالخصوص في البرازيل خلال السبعينات، و في فرنسا بداية من التسعينات، و صدرت في شانه عدة نصوص قانونية و في اعتقادنا انه رفعا لكل التباس يحسن حذف عبارة تشاركي و الاقتصار على جملة:" بناء نظام جمهوري ديمقراطي" ضرورة أن عبارة الديمقراطية تنطوي بطبيعتها على المشاركة السياسية التي تعني مساهمة كافة المواطنين في الحياة السياسية للبلاد عن طريق الاقتراع العام.، ذلك هو مفهوم الديمقراطية. هذا بالإضافة إلى أن نعت "تشاركي" هو نسبة إلى تشارك و مثل هذه الصيغة حديثة انتشرت في الخطاب السياسي لكنها غير مستعملة في معاجم اللغة العربية القديمة على حد علمنا كلسان العرب و غيره .
و هناك مصطلح آخر في مسودة توطئة الدستور وهو حق "التنظّم " ، فهذه الجملة تثير أيضا بعض الإشكاليات اللغوية و الاصطلاحية ،من بينها لماذا اختار محررو المسودة عبارة"التنظّم" بالذات ؟ و الحال أنه كان من الأفضل استعمال عبارات أخرى أكثر وضوحا و أداء للمعنى المقصود، ذلك انه من الناحية اللغوية فان التنظّم هو نتيجة للتنظيم و الأمر يصبح منتظما بعد ان يقع تنظيمه إذ يقول ابن منظور"النظم التأليف،نظمه ينظمه نظما        و نظاما فانتظم و تنظم " و تطرح صيغة هذه الجملة عدة أسئلة في خصوص المقصود بالحق في التنظّم خاصة أن معاجم العلوم السياسية أو القانون الدستوري لم تتعرض إلى هذا الحق ثم ما هو ميدان التنظّم و في تقديرنا أنه يمكن تفادي هذه الإشكاليات بتعويض جملة "الحق في التنظيم" بعبارة الحق في إرساء نظام سياسي على أساس التعددية و الحياد الاداري........ إلى آخره "
و هناك جملة أخرى وردت في المسودة تثير أيضا إشكالية و هي "الانتخابات الحرة هي أساس التدافع السياسي "
إن عبارة التدافع، في نظرنا جاءت في غير محلها  لان هذه الكلمة مشتقة لغة من الدفع و هو يعني حسب ابن منظور: الإزالة بالقوة مضيفا قوله" تدافع القوم أي دفع بعضهم بعضا" و لا شك أن التدافع بهذا المعنى يوحي بالفوضى و استعمال القوة فيكون الفائز فيه للقوي ، و هذا يتنافى مع العمل السياسي الذي من المفروض أن ينبذ العنف و ينبني على الحوار و قبول الرأي المخالف في نطاق النظام و احترام القوانين فضلا على ان هذا المصطلح ليس متداولا بكثرة و غير مستعمل في لغة العلوم السياسية او القانون الدستوري و لا وجود لها في المعاجم المتعلقة بهذه المادة مما قد يثير اشكاليات حول مدلوله.       و بناء على ذلك فانه يستحسن حذف هذه العبارة و تعويضها بمصطلح آخر مثل التنافس السياسي او غيره من المفاهيم الأخرى الواضحة التي لا تثير إشكالا في فهمها .
وما دمنا في الملاحظات الاصطلاحية نشير إلى مسألة أخرى تتمثل في استعمال  عبارتي "الظلم  و الحيف" الواردتين في مشروع مسودة التوطئة. في حين أن لهما نفس المعنى و بالتالي يجب حذف أحداهما.

2/أسلوب تحرير المسودّة :
و في نطاق الملاحظات الشكلية أيضا نشير إلى تركيب بعض الجمل التي في حاجة إلى إعادة صياغتها نذكر منها جملة "المنتخبين باستحقاق ثورة الكرامة " إن استعمال حرف الجر "الباء" في هذه الجملة في غير محلة لان معاني هذا الحرف محصورة في اللغة العربية و منها الإلصاق و الاستعانة و التعددية و التعليل و المصاحبة و لا يوحي سياق الجملة بإحدى هذه المعاني مما يجعل مفهومها يكتنفه بعض الغموض اذ يطرح سؤال حول المقصود من جملة "باستحقاق ثورة الكرامة ....."
كما إن الجملة الأخيرة من مشروع التوطئة غير سليمة من حيث التركيب اذ جاء فيها "فان باسم الشعب نرسم على بركة الله هذا الدستور" اذ انه لا داعي إلى استهلال الجملة بكلمة "فإن " خاصة و إن أول الجملة في التوطئة تضمنت "نحن نواب الشعب التونسي " و نقترح تغيير تركيبة هذه الجملة لتصبح مثلا كما يلي : "نرسم باسم الشعب التونسي على بركة الله هذا الدستور"
و يلاحظ أيضا وجود تكرار بعض المبادئ المعلن عنها بدون موجب مثل "المخزون الحضاري و الكسب الحضاري و الانتماء الثقافي و الحضاري "و هي كلمات لها نفس المعنى تقريبا و بالتالي فانه لا حاجة إلى التكرار خاصة و أننا لسنا في نص أدبي بل  يتعلق الأمر بتوطئة دستور و هو يأتي في أعلى مراتب النصوص القانونية و المفروض انتقاء الكلمات و تفادي التكرار  و قديما قال الجاحظ"أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره"

3/المبادئ المنصوص عليها في مشروع التوطئة :
لقد تضمنت مسودة التوطئة جملة من المبادئ الأساسية مثل النظام الجمهوري و الحكومة المدنية و التداول السلمي على الحكم و التعددية و الانتخابات الحرة و استقلال القضاء و هي كلها مبادئ ضرورية لإرساء نظام ديمقراطي و دولة القانون الا ان هناك مبادئ أخرى لا تقل أهمية عنها غابت في مشروع التوطئة في حين انها ضرورية و لا يمكن إهمالها في مقدمتها حقوق الإنسان و الحريات الأساسية اذ انه و لئن سيقع التنصيص عليها بالتفصيل في احد أبواب نص الدستور فان ذلك لا يمنع من الإشارة إليها في التوطئة على غرار العديد من دساتير الدول العريقة في الديمقراطية مثل الدستور الفرنسي لسنة 1958 الذي جاء في مستهل توطئته "تعلق الشعب الفرنسي بحقوق الإنسان " و نجد نفس الإشارة في توطئة الدستور الاسباني لسنة 1978 . كما انه لم يقع التنصيص في المسودة على مبدأ  تفريق السلط و سيادة الشعب رغم انه وقع استعمال عبارة سلطة الشعب لكن هناك فرق بين المفهومين و لم ينص أيضا مشروع التوطئة على البعد الإفريقي و المتوسطي لتونس . و من ناحية أخرى ورد في المشروع "التعاون مع شعوب العالم و كان من الأفضل عدم التعميم و ذلك بحصر التعاون مع الشعوب المحبة للحرية و السلام   و العدل.إذ لا يمكن التعاون مع الشعوب التي لا تدين بهذه المبادئ السامية 
و لعل من أهم المستحدثات الهامة في مشروع التوطئة الإشارة فيها إلى القطع النهائي مع الفساد الذي يعني  لغة، كما هو معلوم، نقيض الإصلاح و قال تعالى: "و يسعون في الأرض فسادا "
و الفساد ليس ظاهرة حديثة بل قديمة و قد أشار إليها الفيلسوف أرسطو في كتابه"السياسة " و هو يرى أن الفساد يتأتى عندما تصبح الحكومة لا تتصرف طبقا للقانون و المصلحة العامة بل تعمل على خدمة مصلحتها الخاصة. أما المفكر الفرنسي مونتسكيو فهو يقسم الفساد إلى نوعين أولهما عندما لا يحترم الشعب القوانين و ثانيهما عندما تفسد القوانين الشعب و هناك مفهوم سياسي للفساد يتمثل في إقدام ماسكي السلطة الإدارية و السياسية على استعمال نفوذهم و جاههم لكسب المال ، ولا شك أن ظاهرة الفساد منتشرة في العديد من الأنظمة الديكتانورية و حتى الديمقراطية و ان التنصيص في التوطئة على القطع النهائي مع الفساد يجعل لمقاومة هذه الظاهرة الخطيرة مرتبة دستورية و هذا عنصر ايجابي من شانه ان يضع حدا للفساد أو على الأقل يحد من انتشاره و في ذلك حفاظ على المال العام و خدمة لمصلحة المجموعة الوطنية .
و مهما يكن من أمر ، و بقطع النظر عن هذه الملاحظات فان واضعي مسودة التوطئة بذلوا مجهودا  واضحا في صياغتها و نرجو ان يوفقوا إلى إعداد نص نهائي يستجيب للمواصفات المطلوبة في وضع التوطئة و الدستور من حيث المبنى و المعنى و ذلك باستعمال مصطلحات واضحة و متداولة في الخطاب السياسي و في معاجم القانون الدستوري حتى لا تثار إشكاليات في معانيها نظرا لكون التوطئة هي جزء لا يتجزأ من الدستور و ان في صورة إحداث محكمة دستورية او مجلس لمراقبة دستورية القوانين فانه يقع الرجوع أيضا إلى التوطئة بالإضافة إلى فصول نص الدستور الذي يجب ان يكون متماشيا مع تطلعات الشعب خدمة للمصلحة العليا للبلاد التي يجب ان تكون المعيار الوحيد المعتمد في وضع القواعد المنظمة للسلطة في علاقتها مع المواطنين حماية أيضا لحقوقهم و حرياتهم بدون حسابات سياسية أخرى .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire