mercredi 17 octobre 2012

دولة القانون و هيبتها



تعيش البلاد بعد ثورة 14 جانفي 2011 أحداثا هامة و عديدة و خطرة أحيانا تجلت في عدة مظاهر منها ما هو ايجابي مثل حرية التعبير و تنوع و ثراء المشهد الإعلامي و كثرة منابر الحوارات و التعددية السياسية المكرسة في تكوين عشرات الأحزاب بمختلف اتجاهاتها و منها  ما هو سلبي مثل حالة الفوضى في بعض الجهات و الانفلاتات في ميادين شتى و خاصة ظاهرة التمرد على القانون .
و لا شك انه يمكن أحيانا تفهم بعض هذه الأحداث نظرا للأسباب التي أدت إليها و منها مشروعية الطلبات مثل التشغيل و التنمية و التوازن بين الجهات و رفض التهميش غير ان بعض التصرفات الأخرى لا نجد لها مبررات وجيهة إذ تبدو منافية لجملة من المبادئ منها مقومات دولة القانون و هيبتها و يتعين الوقوف على هذين المفهومين قبل التعرض لكيفية مخالفة بعض التصرفات لهما .

1/مفهوم دولة القانون :
من المعلوم انه ظهر هذا المصطلح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لدى الفقه القانوني الألماني و هي ترجمة للعبارة الألمانية  RESCHTSSTAAT المتركبة من كلمتين هما القانون و الدولة و ساهم المفكر الألماني KANT في وضع المقدمات الابستمولوجية لنظرية دولة القانون إذ تقوم فلسفته على سيادة القانون و من كبار منظري دولة القانون في فرنسا CARRé de MALBERG  الذي ميز بين دولة القانون و الدولة القانونية و كذلك الأستاذJEAN CHEVALIER  الذي أكد أن كل استعمال للقوة يجب أن يكون مؤسسا على قاعدة قانونية  و إن الذي يحد من قوة دولة القانون هي الحقوق الأساسية المعترف بها للأفراد و أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحماية حقوق الإنسان و الديمقراطية .
و يمكن القول أن دولة القانون هي التي تخضع في علاقاتها مع مواطنيها لنظام قانوني فالسلطة لا تستعمل سوى الوسائل التي يبيحها القانون كما أن مختلف أجهزة الدولة لا تتصرف إلا بمقتضى تأهيل قانوني على حد تعبير احد الأساتذة كما أن دولة القانون هي التي تحترم القانون و تفرض احترامه على مواطنيها و هي تعاملهم على أساس قواعد عامة و مسبقة و هي بذلك نقيض دولة البوليس التي تتسم بقوة السلطة الإدارية و التي تتخذ و تطبق إجراءات بصفة اعتباطية لمجابهة ظروف معينة و يعتبر الأستاذ PAUL MORAND أن دولة البوليس ليست دولة متحضرة « un état policier n’est pas un état policé » بينما في دولة القانون تخضع الإدارة نفسها أيضا لجملة من القواعد العامة و العليا و هي تتقيد بها و تفرض عليها و ظهرت نظرية الحد الذاتي التي تعني احترام الدولة للقانون بصفة إرادية من تلقاء نفسها .
و في هذا السياق يقول الأستاذ JEAN RIVERO  " أن دولة القانون هي التي تجد فيه قوة السلطة حدودها في القاعدة القانونية الملزمة باحترامها "
 و ان قوة الدولة تكمن في مشروعيتها و إقرارها لقواعد ملزمة لجميع الناس و يرى المفكر A.RENAUT   "أن الفضاء الاجتماعي ينقسم إلى دائرتين هما الدولة من جهة و المجتمع من جهة أخرى و انه ليس للدولة إن تفعل ما تريد  إذ توجد حدود موضوعية لنشاطها ناتجة عن طبيعة الأشياء و إن لا بد من إقرار حواجز لا يمكن تجاوزها ".
كما ان جميع أجهزة الدولة مقيدة بالقانون شانها في ذلك شان الفرد بما في ذلك السلطة القضائية و في هذا الإطار قال المفكر الكبير MONTESQUIEU  " ان قضاة الأمة ليسوا سوى الفم الذي يتفوه بعبارات القانون و لا تستطيع الكائنات الجامدة ان تعدل قوة أو صرامة القانون"
و من مظاهر دولة القانون مساواة الجميع أمامه و تطبيقه على كل المواطنين بدون أي تمييز أي على الضعيف و القوي و الفقير و الغني و ذوي الجاه و الأشخاص العاديين عملا بنظرية  علوية القانون على الجميع  التي أقرتها العديد من المواثيق و الإعلانات الدولية من بينها الإعلان الختامي للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام 1993 و كذلك القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في اختتام مؤتمر القمة العالمي في شهر سبتمبر 2005 و تضمن "الترابط بين حقوق الإنسان و سيادة القانون و الديمقراطية"
و ظهر اتجاه حديث يدعو الى وضع ثلاثة شروط لدولة القانون أولها ان تكون ديمقراطية تعتمد سيادة الشعب يمارسها المواطنون مباشرة  او بواسطة نوابهم عن طريق انتخابات حرة ، ثانيها احترام الحقوق الفردية  و مراقبة مشروعية أعمالها عن طريق مؤسسات مستقلة أي الحد من نفوذ الدولة و ثالثها إقرار مبدأ الفصل بين السّلط الثلاث.

ان دولة القانون هي التي لا تصح فيها مقولة الكاتب الفرنسي HONORé DE BALZAC  المتشائمة اذ يرى إن" القوانين كأنسجة العنكبوت التي لا يمر منها إلا الذباب الصغير و يبقى الكبير " إذ انه خلافا لما جاء فيها فالمفروض أن كل الناس ملزمين باحترام القانون و عدم خرقه  و لا يعفي الكبار من الخضوع له.
أن دولة القانون بالامتثال له و بفرض احترامه على مواطنيها و خدمة مصالحهم و حماية حقوقهم تكتسب هيبة خاصة مما أدى إلى الحديث عن هيبة الدولة .
2/مفهوم  هيبة الدولة :
تعني الهيبة لغة حسب ابن منظور " الإجلال و المخافة " كما ان من معانيها أيضا الوقار و من الأمثلة السائرة "هب الناس يهابوك  أي وقّرهم  يوقّروك "
و تنطوي الهيبة أيضا على التعظيم
و يمكن أن نستخلص مما تقدم أن المقصود بهيبة الدولة احترامها و الاعتراف بسلطتها و مؤسساتها و الخضوع لها و هذا الاحترام للدولة مرده أنها ذات قانونية و هي قارة عملا بفكرة استمراريتها و غير قابلة للتغيير و انه يجب عدم الخلط بينها و بين الحكومة و تجسم إرادة عليا غير قابلة للمنازعة لكنها ملزمة باحترام القواعد القانونية التي سنتها و في مقدمتها الدستور على حد تعبير CARRé de MALBERG  
و مفهوم الهيبة لا يقتصر على مجرد الاحترام في معناه الأخلاقي و الحضاري بل ينطوي أيضا على شيء من الخوف من سلطة الدولة إذ أن من معانيها أيضا الخوف إذ يقول ابن سيده " تهيّبت الشيءَ و تهيّبني اذا خفته و خوّفني "
و أن هيبة الدولة بهذا المعنى مأتاها أنها كما قال عالم الاجتماع الألماني MAX WEBER   "تحتكر استعمال العنف البدني الشرعي " موضحا انه يمكن ان تكون سلطة الدولة مؤسسة على ثلاثة أصناف من الشرعية أولها التقاليد و ثانيها هيبة القائد السياسي "الكاريزما  " و ثالثها مشروعية القواعد التي تسنها الأجهزة المختصة في المجتمعات الحديثة "
و لعل العلامة ابن خلدون أشار في المقدمة إلى مظهر من مظاهر هيبة الدولة في معناه الخوف منها عندما تحدث عن "الوازع " بمعنى الكف عن ارتكاب الجرائم خوفا من السلطان إذ يقول " أن البشر  لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم وتعاونهم و إذا  اجتمعوا دعت الحاجة  الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ومدّ كل واحد منهم يده  إلى حاجاته يأخذها من صاحبه لما في الطبيعة الحيوانية من الظلم  والعدوان فيقع  التنازع المفضي إلى المقاتلة وهي تؤدي إلى الهرج فاستحال بقاؤهم  فوضى واحتاجوا  من اجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم "
أن البشر في حاجة إلى وازع لجبرهم على احترام القوانين و تفادي الهمجية و الفوضى و اعتداءات بعضهم على البعض و احترام مؤسسات الدولة و لكن المفروض ان لا يكون مرد هيبة الدولة متأتيا من الخوف منها فقط اذ على كل مواطن ان يحترم الدولة لأنه جزء منها و ان روح المواطنة تقتضي ذلك ففي البلدان السكندينافية مثلا نلاحظ ان جميع المواطنين هناك يحترمون دولهم و مؤسساتها و يتحلون بالسلوك الحضاري و الانضباط بصفة تلقائية و بدون استعمال القوة او تسليط أي ضغط عليهم .



3/ التصرفات المنافية لدولة القانون و هيبتها :
من المؤسف بروز ظاهرة مزعجة و خطرة بعد الثورة تتمثل في تعمد العديد من المواطنين خرق القوانين و كأن الثورة ألغتها جميعها و كأن البلاد أصبحت بدون قانون و تكفي الإشارة إلى بعض التصرفات غير المقبولة نذكر منها السّياقة العشوائية للسيارات من طرف بعض السواق الذين لا يحترمون إشارات المرور   و لا يحترمون أولوية المرور بل أن بعضهم أصبح يسير بسيارته على الرصيف و السير في الاتجاه الممنوع و حتى الشتم و السب إلى غير ذلك من التصرفات غير المعقولة .
و هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في الأخذ بالثأر و تعمد بعضهم الاقتصاص لأنفسهم  للانتقام ممن اعتدى عليهم و يستعملون العنف في ذلك عوض الالتجاء إلى القضاء و تناسوا أن عهد حرب البسوس و الأخذ بالثار قد ولّى .
كما ان من التصرفات المنافية لدولة القانون عدم الامتثال للأحكام القضائية و معارضة تنفيذها و الحال أنها تصدر باسم الشعب طبق الفصل 253 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية و تنفذ  بالقوة العامة بأمر و إذن من رئيس الجمهورية  و لا شك ان عدم الإذعان للأحكام القضائية يؤدي إلى الفوضى و يجرد السلطة القضائية من كل نفوذ و تصبح تلك الأحكام حبرا على ورق فتضيع حقوق المحكوم لهم و تستمر وضعيات غير عادلة إذ تبقى الحقوق مغتصبة ما دامت الأحكام غير منفذة كما أن بعض المواطنين لا يمتثلون للقرارات الإدارية     و منها القاضية بتهديم البناءات الفوضوية على سبيل المثال.
على أن اخطر  آفة دولة القانون هو ضغط الشارع أو الرأي العام على سير القضاء عندما تترفع بعض الأصوات لمناصرة أطراف محل تتبع جزائي بالخصوص او بالمناداة بإدانتهم و تسليط  اشد العقوبات عليهم و الحال ان الأبحاث لم تكتمل بعد و لوحظ أن بعض الأشخاص و وسائل الإعلام تتحدث عن إدانة أو براءة أشخاص قبل صدور أحكام نهائية الأمر الذي يتعارض مع قرينة البراءة و هي من مقومات الحقوق الأساسية للإنسان بالإضافة إلى ظاهرة أخرى تتمثل في الكشف عن حقائق او حتى نشر أبحاث تتعلق بقضايا مازالت على بساط النشر أمام قضاة التحقيق و قبل انعقاد الجلسات العلنية أمام المحاكم و في ذلك خرق لمبدأ سرية التحقيق .
و لا شك أن من حق و واجب الإعلام الاهتمام بالقضايا الاجتماعية و خاصة الخطرة منها إلا انه يتعين تناولها في نطاق القانون و احترام كل الأطراف و عدم انتهاك حرمة الحياة الخاصة و تجنب الثلب و الادعاءات الباطلة.

كما انه تسلط بعض الضغوط لغاية إطلاق سراح موقوفين أو إيقاف أشخاص مازالوا في حالة سراح في حين أن الإيقاف أو السراح  لا يجب ان يخضع للنزوات الشخصية بل للقضاء الملزم بتطبيق القانون بكل تجرد و موضوعية دون التأثر بعوامل أخرى غير ما له أصل ثابت في أوراق الملف خاصة أن المشرع ضبط شروط و إجراءات الاحتفاظ و الإيقاف التحفظي و وصل الأمر ببعض الأشخاص إلى الهجوم على مراكز الأمن للإفراج بالقوة على الموقوفين و هي ظاهرة خطرة للغاية إذ تجسم خرقا صارخا للقانون ضرورة أن الاحتفاظ يخضع لرقابة القضاء و لنظام قانوني واضح.

كما أن القضاء مؤهل دون غيره للحكم بالبراءة أو الإدانة و هو الذي يقدر العقاب الذي يسلط على المذنبين في نطاق ما اقره المشرع و له طبعا أن يراعي وضعية كل متهم و إسعافه بظروف التخفيف إذا توفرت أو تشديد العقاب عند الاقتضاء فلنترك القضاء يقوم بوظيفته السامية و المفروض فيه ان يكون فعلا مستقلا و بعيدا عن كل الخلفيات السياسية لان السياسة تفسد العدالة و على السادة القضاة تحمل المسؤولية كاملة عند اداء مهامهم فلا سلطان عليه إلا القانون و راحة الضمير وتستوقفنا في هذا السياق مع ما قاله الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب الفرنسية السيد GUY CANIVET   الذي قال ان القضاة لا يمكنهم ان يقضوا إلا إذا كانت أيديهم مرتعشة  ils ne peuvent rendre justice que les mains tremblantes    و لا شك أن هذا الارتعاش يكون خوفا من الضمير و من جسامة المسؤولية قبل أي شيء آخر .
أن مثل تلك التصرفات المنافية للقانون و روح المواطنة و السلوك الحضاري تنطوي على استضعاف الدولة و خضد شوكتها و إذا ضعفت فعلا الدولة و أدركها الهون تسرب الخراب للعمران البشري و انقلبت المدنية إلى همجية لا تحمد عقباها إذ لا بد من  دولة قوية برشد حكمها ترعى مصالح مواطنيها و حقوقهم و في مقوماتها تحقيق الأمن و هو من أوكد واجباتها و مهامها إذ لا تنمية و لا حرية و لا ديمقراطية بدون امن فضلا على أن دور الدولة لا يجب أن يقتصر على ردع من يخرق القانون بل عليها بالخصوص أن تعالج الأسباب التي أدت إلى تلك التصرفات و أن تعمل على القضاء عليها و خاصة تلك التي تكتسي صبغة اجتماعية و تنطوي على مطالب مشروعة فالحلول الأمنية وحدها و استعمال القوة لا تزيل كل المشاكل و الاحتقان لان دولة القانون تختلف عما اصطلح على تسميته بالدولة الحارسة l’état- gendarme  كما انه من واجبات الدولة أيضا مقاومة التسيب و العمل على اقرار الانضباط في نطاق القانون و العدالة و مصلحة البلاد العليا و في هذا السياق يقول  PAUL VALERY  "إذا كانت الدولة قوية فهي تدوسنا و إذا كانت ضعيفة نهلك "

إن هيبة الدولة وحدها لا تكفي إذ لا بد أيضا من هيبة رجالاتها الذين يجب أن يتحلوا بالكفاءة و الحنكة و الإشعاع و قوة الشخصية القيادية دون ان يصل ذلك الى حد شخصنة السلطة و الحكم الفردي المؤدي إلى الاستبداد و الدكتاتورية فنحن في حاجة إلى قادة متشبعين بروح الديمقراطية و العدل و احترام حقوق الإنسان بمختلف أنواعها الفكرية و المادية منها و غيرها.
 و إذا كانت الدولة تستمد هيبتها من حسن سير مؤسساتها و مشروعية أعمالها و عدلها و خدمة شعبها  فان الله هو الذي حبا بعض المسؤولين السياسيين بالهيبة دون البعض الآخر فهي منة منه و الهيبة هي في آخر الأمر موهبة ألاهية أو لا تكون و ليست "الكاريزما" من نصيب كل الناس  و تلك هي مشيئة الله .




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire